فصل: قال نظام الدين النيسابوري في الآيتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

إذا كان على الحق شهود تعيّن عليهم أداؤها على الكفاية، فإن أدّاها اثنان واجتزأ الحاكم بهما سقط الفرض عن الباقين، وإن لم يجتزأ بها تعيّن المشي إليه حتى يقع الإثبات.
وهذا يعلم بدعاء صاحبها، فإذا قال له: أحيي حقي بأداء ما عندك لي من الشهادة تعين ذلك عليه. اهـ.

.قال الفخر:

الآثم الفاجر، روي أن عمر كان يعلم أعرابيًا {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم} [الدخان: 43، 44] فكان يقول: طعام اليتيم، فقال له عمر: طعام الفاجر.
فهذا يدل على أن الآثم بمعنى الفجور. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وأسند الإثم إلى القلب وإنّما الآثم الكاتم لأنّ القلب أي حركات العقل يسبّب ارتكاب الإثم: فإنّ كتمان الشهادة إصْرار قلبي على معصية، ومثله قوله تعالى [الأعراف: 116] وإنّما سحَروا الناس بواسطة مرئيات وتخيّلات وقول الأعشى:
كذلكَ فافعل ما حييتَ إذا شَتَوْا ** وأقْدِمْ إذَا ما أعْيُنُ الناسِ تَفْرق

لأنْ الفرَق ينشأ عن رؤية الأهوال. اهـ.

.قال الخازن:

إنما أضيف الإثم إلى القلب لأن الأفعال من الدواعي والصوارف إنما تحدث في القلب فلما كان الأمر كذلك أضيف الإثم إلى القلب قيل: ما أوعد الله على شيء كإيعاده عن كتمان الشهادة فإنه تعالى قال: {فإنه آثم قلبه} وأراد به مسخ القلب نعوذ بالله من ذلك. اهـ.

.قال البيضاوي:

وإسناد الإِثم إلى القلب لأن الكتمان مقترفه ونظيره: العين زانية والأذن زانية. أو للمبالغة فإنه رئيس الأعضاء وأفعاله أعظم الأفعال، وكأنه قيل: تمكن الإِثم في نفسه وأخذ أشرف أجزائه، وفاق سائر ذنوبه. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قال القاضي أبو يعلى: إنما أضاف الإثم إلى القلب، لأن المآثم تتعلق بعقد القلب، وكتمان الشهادة إنما هو عقد النية لترك أَدائِها. اهـ.

.قال الألوسي:

وأضاف الآثم إلى القلب مع أنه لو قيل: {فإنه آثم} لتم المعنى مع الاختصار، لأن الآثم بالكتمان وهو مما يقع بالقلب وإسناد الفعل بالجارحة التي يعمل بها أبلغ، ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد هذا مما أبصرته عيني ومما سمعته أذني ومما عرفه قلبي؟ ولأن الإثم وإن كان منسوبًا إلى جملة الشخص لكنه اعتبر الإسناد إلى هذا الجزء المخصوص متجوزًا به عن الكل لأنه أشرف الأجزاء ورئيسها، وفعله أعظم من أفعال سائر الجوارح، فيكون في الكلام تنبيه على أن الكتمان من أعظم الذنوب، وقيل: أسند الإثم إلى القلب لئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان فقط وليعلم أن القلب أصل متعلقه ومعدن اقترافه، وقيل: للإشارة إلى أن أثر الكتمان يظهر في قلبه كما جاء في الخبر «إذا أذنب العبد يحدث في قلبه نكتة سوداء وكلما أذنب زاد ذلك حتى يسود ذلك بتمامه»، أو للإشارة إلى أنه يفسد قلبه فيفسد بدنه كله، فقد ورد «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» والكل ليس بشيء كما لا يخفى. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن كثيرًا من المتكلمين قالوا.
إن الفاعل والعارف والمأمور والمنهي هو القلب، وقد استقصينا هذه المسألة في سورة الشعراء في تفسير قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ} [الشعراء: 193، 194] وذكرنا طرفًا منه في تفسير قوله: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ} [البقرة: 97] وهؤلاء يتمسكون بهذه الآية ويقولون: إنه تعالى أضاف الآثم إلى القلب فلولا أن القلب هو الفاعل وإلا لما كان آثمًا.
وأجاب من خالف في هذا القول بأن إضافة الفعل إلى جزء من أجزاء البدن إنما يكون لأجل أن أعظم أسباب الإعانة على ذلك الفعل إنما يحصل من ذلك العضو، فيقال: هذا مما أبصرته عيني وسمعته أذني وعرفه قلبي، ويقال: فلان خبيث الفرج ومن المعلوم أن أفعال الجوارح تابعة لأفعال القلوب ومتولدة مما يحدث في القلوب من الدواعي والصوارف، فلما كان الأمر كذلك فلهذا السبب أضيف الآثم هاهنا إلى القلب. اهـ.

.قال الطبري:

وأما قوله: {والله بما تعملون عليمٌ}، فإنه يعني: {بما تعملون} في شهادتكم من إقامتها والقيام بها، أو كتمانكم إياها عند حاجة من استشهدكم إليها، وبغير ذلك من سرائر أعمالكم وعلانيتها {عليمٌ}، يحصيه عليكم، ليجزيكم بذلك كله جزاءكم، إما خيرًا وإما شرًّا على قدر استحقاقكم. اهـ.

.قال الفخر:

تحذير من الإقدام على هذا الكتمان، لأن المكلف إذا علم أنه لا يعزب عن علم الله ضمير قلبه كان خائفًا حذرًا من مخالفة أمر الله تعالى، فإنه يعلم أنه تعالى يحاسبه على كل تلك الأفعال، ويجازيه عليها إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًا فشرًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {والله بما تعملون عليم} تهديد، كناية عن المجازاة بمثل الصنيع؛ لأنّ القادر لا يحُول بينه وبين المؤاخذة إلاّ الجهل فإذا كان عليمًا أقام قسطاس الجزاء. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيتين:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)}.
التفسير: الحكم الثالث المداينة.
وسبب النظم أن الحكمي المتقدمين وهما الإنفاق وترك الربا كانا سببين لنقصان المال، فأرشد الله تعالى في هذه الآية بكمال رأفته إلى كيفية حفظ المال الحلال وصونه عن التلف والبوار ورعاية وجوه:
ألاحتياط، فإن مصالح المعاش والمعاد متوقفة على ذلك، ولهذه الدقيقة بالغ في الوصاية وأطنب. عن ابن عباس أن المراد به السلم وقال: لما حرم الربا أباح السلم وأنزل فيه أطول آية. ولهذا قال بعض العلماء: لا لذة ولا منفعة يتوصل إليها بالطريق الحرام إلا وجعل الله سبحانه وتعالى لتحصيل مثلها طريقًا حلالًا وسبيلًا مشروعًا. والتداين تفاعل من الدين. يقال: داينت الرجل إذا عاملته بدين معطيًا أو آخذًا. والمراد إذا تعاملتم بما فيه دين. وذلك أن البياعات على أربعة أوجه: أحدها بيع العين بالعين وذلك ليس بمداينة البتة. والثاني بيع الدين بالدين وهو باطل فيبقى هاهنا بيعان: بيع العين بالدين وهو ما إذا باع شيئًا بثمن مؤجل، وبيع الدين بالعين وهو المسمى بالسلم وكلاهم داخلان تحت الآية. وأما القرض فلا يدخل فيه وإنه غير الدين لغة فإن الدين يجوز فيه الأجل، والقرض لا يجوز فيه الأجل. والفائدة في قوله: {بدين} تخليصه من التداين بمعنى المجازاة، أو التأكيد مثل {ولا طائر يطير بجناحيه} [الأنعام: 38] أو ليشمل أي دين كان صغيرًا أو كبيرًا سلمًا أو غيره. وفي الكشاف: فائدته رجوع الضمير إليه في قوله: {فاكتبوه} إذ لو لم يذكر لوجب أن يقال: فاكتبوا الدين فلم يكن النظم بذلك الحسن. ولأنه أبين لتنويع الدين إلى مؤجل وحال فإنه كالمطابقة، ودلالة تداينتم على ذلك كالتضمن. وقيل: ليكون المعنى تداينًا يحصل فيه دين واحد فيخرج بيع الدين بالدين.
وإنما لم يقل كلما تداينتم ليكون نصًا في العموم لأن الكلية تفهم من بيان العلة في قوله: {ذلكم أقسط عند الله} فإن العلة قائمة في الكل فيكون الحكم حاصلًا في الكل، أو نقول: العلة هي التداين والعلة لا ينفك عنها معلوها فتكون القضية كلية كما في قوله: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} [المائدة: 6] والأجل مدة الشيء ومنه أجل الإنسان لمدة عمره. وفائدة قوله: {مسمى} أن يعلم أن من حق الأجل أن يكون معلومًا كالتوقيت بالسنة والأشهر والأيام. وأنه لو قال إلى الحصاد أو إلى قدوم الحاج لم يجز لعدم التسمية. ثم إنه تعالى أمر في المداينة بشيئين: الكتبة والاستشهاد ليكون كلا المتداينين أوثق وآمن من النسيان والتفاوت والتخالف في مقدار الدين وفي انقضاء الأجل وفي سائر ما تشارطا عليه. وهذا الأمر قيل للوجوب وهو مذهب عطاء وابن جريج والنخعي، وجمهور المجتهدين على أنه للندب لإجماع المسلمين قديمًا وحديثًا على البيع بالأثمان المؤجلة من غير كتبة ولا إشهاد، ولأن في إيجابهما حرجًا وتضييقًا. وقيل: كانا واجبين فنسخا بقوله: {فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤد الذي اؤتمن أمانته} وهذا مذهب الحسن والشعبي والحكم بن عتيبة. أما المخاطب بقوله: {فاكتبوه} فليس كل أحد لوجود أميين كثيرين في الدنيا، بل من له استئهال لكتبه ولهذا قال: {وليكتب بينكم كاتب} وليس ذلك أيضًا على الإطلاق ولكنه يجب أن يكون الكاتب متصفًا بالعدل فيكتب بحيث لا يزيد في الدين ولا ينقص عنه ولا يخص أحدهما بالاحتياط دون الآخر، ويحترز عن الألفاظ المجملة التي يقع النزاع في المراد منها. وهذا بالحقيقة أمر للمتداينين بتخير الكاتب وأن لا يستكتبوا إلا فقيهًا أديبًا دينًا. قال بعض الفقهاء: العدل أن يكون ما يكتبه متفقًا عليه بين المجتهدين ولا يكون بحيث يجد قاض من قضاة المسلمين سبيلًا إلى إبطاله {ولا يأب كاتب} ولا يمتنع أحد من الكتاب وهو معنى التنكير في كاتب {أن يكتب} وقوله: {كما علمه الله} إما أن يكون متعلقًا بما قبله فالتقدير: ولا يأب كاتب أن يكتب مثل ما علمه الله تعالى فيقع قوله بعد ذلك {فليكتب} تأكيدًا للأول أي فليكتب تلك الكتابة التي علمه الله تعالى إياها أو بما بعده فيكون الأول نهيًا عن الامتناع مطلقًا، والثاني أمرًا بالكتابة المقيدة والمطلق لا دلالة له على المقيد، فلا يكون الثاني تأكيدًا للأول وإنما يكون بيانًا له. ثم النهي عن الامتناع عن الكتابة لكل كاتب إنما هو على سبيل الإرشاد والأولى تحصيلًا لحاجة المسلم وشكرًا لما علمه الله من كتابة الوثائق فهو كقوله: {وأحسن كما أحسن الله إليك} [القصص: 77] وقيل: إنه على سبيل الإيجاب ولكنه نسخ بقوله: {ولا يضار كاتب ولا شهيد}. وعن الشعبي أنه فرض كفاية فإن لم يجد إلا كاتبًا واحدًا وجبت الكتابة عليه، وإن وجد أشخاصًا فالواجب كتابة أحدهم.
وقيل: متعلق الإيجاب هو أن يكتب كما علمه الله يعني أنه بتقدير أن يكتب، فالواجب أن يكتب كما علمه الله وأن لا يخل بشرط من الشروط كيلا يضيع مال المسلم بإهماله. واعلم أن الكتابة بعد حصول الكاتب العارف بشروط الصكوك والسجلات لا تتم إلا بإملاء من عليه الحق ليدخل في جملة إملائه اعترافه بمقدار الحق وصفته وأجله إلى غير ذلك، فلهذا قال سبحانه: {وليملل الذي عليه الحق} والإملال والإملاء لغتان: قال الفراء: أمللت عليه الكتاب لغة الحجاز وبني أسد، وأمليت لغة بني تميم وقيس، وقد نطق القرآن بهما. قال: {فهي تملى عليه بكرة وأصيلا} [الفرقان: 5].
{وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئًا} أمر أن لهذا المملي الذي عليه الحق بأن يقر بتمام المال الذي عليه ولا ينقص منه شيئًا. والبخس النقص {فإن كان الذي عليه الحق سفيهًا} محجورًا عليه لتبذيره وجهله بالتصرف وضعف عقله {أو ضعيفًا} صبيًا أو شيخًا مختلًا {أو لا يستطيع أن يمل هو} أو غير مستطيع للإملاء بنفسه لعيّ به أو خرس {فليملل وليه بالعدل} والمراد بولي الذي عليه الحق الذي يلي أمره ويقوم بمصالحه من وصي إن كان سفيهًا أو صبيًا، أو وكيل إن كان غير مستطيع، أو ترجمان يمل عنه وهو يصدقه. وفائدة توكيد المتصل بالمنفصل في قوله: {أن يمل هو} أنه غير مستطيع بنفسه ولكن بغيره وهو الذي يترجم عنه. وعن ابن عباس ومقاتل والربيع أن الضمير في {وليه} عائد إلى الدين أي الذي له الدين ليمل. قيل: وفيه بعد لأن قول المدعي كيف يقبل؟ ولو كان قوله معتبرًا فأي حاجة إلى الكتابة والإشهاد؟ ثم المقصود من الكتابة هو الاستشهاد ليتمكن بالشهود من التوصل إلى تحصيل الحق إن جحد فلهذا قال تعالى: {واستشهدوا} أي أشهدوا. والإشهاد والاستشهاد بمعنى، لأن معنى استشهدته سألته أن يشهد شهيدين أي شاهدين فعيل بمعنى فاعل. وإطلاق الشهيد على من سيكون شهيدًا تنزيل لما يشارف منزلة الكائن. ومعنى قوله: {من رجالكم} أي من رجال أهل ملتكم وهم المسلمون. وقيل يعني الأحرار، وقيل من رجالكم الذين تعدّونهم للشهادة من أهل العدالة {فإن لم يكونا} أي الشهيدان رجلين {فرجل وامرأتان} أي فليكن أو فليشهد أو فالشاهد رجل وامرأتان أو فرجل وامرأتان يشهدون جميع هذه التقديرات جائز حسن ذكره علي بن عيسى {ممن ترضون من الشهداء} وفيه دليل على أنه ليس كل أحد صالحًا للشهادة. والفقهاء قالوا شرائط قبول الشهادة أن يكون حرًا بالغًا عاقلًا مسلمًا عدلًا عالمًا بما يشهد به لا يجر بتلك الشهادة منفعة إلى نفسه ولا يدفع مضرة عنها، ولا يكون معروفًا بكثرة الغلط ولا بترك المروءة ولا يكون بينه وبين من يشهد عليه عداوة.
وعن علي عليه السلام: ولا يجوز شهادة العبد في شيء وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، وذلك لأنه تعالى قال: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} والإجماع منعقد على أن العبد لا يجب عليه الذهاب بل يحرم عليه ذلك إذا لم يأذن له السيد، فيعلم منه أن العبد لا يجوز أن يكون شاهدًا. وعند شريح وابن سيرين وأحمد: تجوز شهادة العبد قالوا: لأن العقل والعدالة والدين لا يختلف بالحرية والرق. وعند أبي حنيفة يجوز شهادة الكفار بعضهم على بعض على اختلاف الملل {أن تضل} أن لا تهتدي إحداهما للشهادة بأن تنساها لغلبة البرد والرطوبة على أمزجتهن أو إحدى النفسين، فإن الإنسان لا يخلو من النسيان {فتذكر إحداهما الأخرى} وانتصابه على أنه مفعول له أي إرادة أن تضل. قال في الكشاف: فإن قلت: كيف يكون ضلالها مرادًا لله؟ قلت: لما كان الضلال سببًا للإذكار والإذكار مسببًا عنه وهم ينزلون كل واحد من السبب والمسبب منزلة الآخر لالتباسهما واتصالهما، كانت إرادة الضلال المسبب عنه الإذكار إرادة للإذكار، فكأنه قيل: إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت ونظيره قولهم أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه، وأعددت السلاح أن يجيء عدو فأدفعه. وفي التفسير الكبير أن هاهنا غرضين: أحدهما حصول الإشهاد وذلك لا يتأتى إلا بتذكير إحدى المرأتين. والثاني بيان تفضيل الرجل على المرأة حتى يبين أن إقامة المرأتين مقام الرجل الواحد هو العدل في القضية وذلك لا يتأتّى إلا بضلال إحدى المرأتين، فلهذا صار كل من الغرضين صحيحًا ولا محذور. ومن قرأ بكسر إن على الشرط والجزاء فلا إشكال. وروي عن سفيان بن عيينة أنه قال: {فتذكر إحداهما} معناه فتجعل إحداهما الأخرى ذكرًا يعني أنهما إذا اجتمعتا كانتا بمنزلة الذكر ولا يخفى ما فيه من التعسف. واعلم أن الشهادة خبر قاطع ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «على مثل الشمس فاشهد أو فدع» وقد يقام الظن المؤكد فيه مقام اليقين ضرورة. وقول الشاهد الواحد لا يكفي للحكم به إلا في هلال رمضان، ولا يحتاج إلى أزيد من اثنين إلا في الزنا لقوله تعالى: {ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} [النور: 4] وقال: {فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} [النساء: 15] ولا يعتبر فيه شهادة النساء. عن الزهري أنه قال مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين بعده أن لا تقبل شهادة النساء في الحدود وغير هلال رمضان والزنا إما عقوبة أو غيرها. فإن كان عقوبة فلا يثبت إلا برجلين لما مر من حديث الزهري يستوي فيه حق الله تعالى كحد الشرب وقطع الطريق، وحق العباد كالقصاص والقذف، وأما غير العقوبات فما ليس بمالي.
ولا يقصد به المال إن كان مما يطلع عليه الرجال غالبًا كالنكاح والرجعة والطلاق والعتاق والإسلام والردة والبلوغ والولاء وانقضاء العدة وجرح الشهود وتعديلهم والعفو عن القصاص، فكل ذلك لا يثبت إلا برجلين أيضًا. وإن كان ممن يختص بمعرفته النساء غالبًا فتقبل فيه شهادتهن على انفرادهن لما روي عن الزهري أنه قال: مضت السنة أن تجوز شهادة النساء في كل شيء لا يليه غيرهن وذلك كالولادة والبكارة والثيابة والرتق والقرن والحيض والرضاع وعيب المرأة من برص وغيره تحت الإزار، ولا يثبت شيء من ذلك بأقل من أربع نسوة تنزيلًا لاثنتين منهن منزلة رجل. وما يثبت بهن يثبت برجل وامرأتين وبرجلين بالطريق الأولى. وأما ما هو مال أو يقصد به المال كالأعيان والديون والعقود المالية من البيع والإقالة والرد بالعيب والإجارة والوصية بالمال والحوالة والضمان والصلح والقرض، فيثبت بشهادة رجل وامرأتين ثبوتها بشهادة رجلين ونص القرآن منزل على هذا القسم والذي قبله. وجوز الشافعي القضاء بالشاهد واليمين لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين وأنكره أبو حنيفة {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} ما زائدة مبهمة أي إذا دعوا فقيل: أي إلى أداء الشهادة عند احتياج صاحب الحق إليها. وقيل: إلى تحمل الشهادة وهو قول قتادة واختاره القفال قال: كما أمر الكاتب أن لا يأبى الكتابة، أمر الشاهد أن لا يأبى تحمل الشهادة وقيل: أمر بالتحمل إذا لم يوجد غيره. وحمله الزجاج على مجموع الأمرين: التحمل أولًا والأداء ثانيًا. والقول الأول أصح لأنه أطلق عليهم لفظ الشهداء. والأصل في الإطلاق الحقيقة وتسميتهم قبل التحمل شهداء مجاز لا يعدل إليه إلا لضرورة. وأيضًا التحمل غير واجب على الكل بخلاف الأداء بعد التحمل. وأيضًا الأمر بالإشهاد يتضمن الأمر بتحمل الشهادة، فكان صرف قوله: {ولا يأب الشهداء} إلى الأمر بالأداء أولى ليفيد فائدة جديدة وهي أن الشاهد إن كان متعينًا وجب عليه أداء الشهادة، وإن كان فيهم كثرة كان الأداء فرضًا على الكفاية. {ولا تسأموا} لا تضجروا ولا تملوا أن تكتبوه أي الدين أو الحق لتقدم ذكرهما على أي حال كان الحق صغيرًا أو كبيرًا مما جرت العادة بكتبته لا كالحبة والقيراط، فإن القليل من المال ربما أفضى إلى نزاع كثير. وإنما نهى عن السآمة لأنها من الكسل والكسل صفة المنافق. وأيضا من كثرت مدايناته فاحتاج أن يكتب لكل دين صغير أو كبير كتابًا فربما مل كثرة الكتب فاقتضى المقام ترغيبه وإلهابه. ويجوز أن يكون الضمير للكتاب، وأن تكتبوه مختصرًا أو مشبعًا، ولا يخلوا بكتابته إلى أجله إلى وقته الذي اتفقا على تسميته {ذلكم} الكتب أو ذلكم الذي أمرتكم به من الكتب والإشهاد {أقسط} أعدل {عند الله وأقوم للشهادة} أعون على إقامة الشهادة وهما إما من أقسط وأقام فيكون محمولًا على قولهم أفلس من ابن المذلق وإما من قويم وقاسط بمعنى ذو قسط على طريقة النسب وإلا فالقاسط الجائر.
ولا يصح ذلك المعنى هاهنا يقال: قسط إذا جار، وأقسط أي عدل {وأدنى ألا ترتابوا} أقرب من انتفاء الريب. رتب الله تعالى على الكتبة والإشهاد ثلاث فوائد:
الأولى: تتعلق بالدين لأنه إذا كان مكتوبًا كان إلى اليقين أقرب وعن الجهل أبعد فيكون أعدل عند الله. والثانية تتعلق بالدنيا وهو كونه أبلغ في الاستقامة التي هي ضد الاعوجاج وأعون للحفظ والذكر.
والثالثة أنه يدفع الضرر عن نفسه بأن لا يضل في أمره ولا يتردد، وعن غيره بأن لا ينسبه إلى الكذب والخيانة فلا يقع في الغيبة والجهالة. فما أحسن هذه الفوائد وما أدخلها في الضبط والترتيب {إلا أن تكون تجارة حاضرة} قيل: هو راجع إلى قوله: {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} إن البيع بالدين قد يكون إلى أجل قريب وقد يكون إلى أجل بعيد، فاستثنى عن المداينة ما يكون أجله قريبًا. ويحتمل أن يكون استثناء من قوله: {ولا تسأموا أن تكتبوه} وقد يقال: إنه استثناء منقطع والتقدير: لكنه إذا كانت التجارة حاضرة فليس عليكم جناح. فيكون كلامًا مستأنفًا على سبيل الإضراب عن الأول. والتجارة تصرف في المال لطلب الربح. فسواء كانت المبايعة بدين أو بعين فالتجارة حاضرة. فإذًا المراد بالتجارة هاهنا ما يتجر فيه من الأبدال. ومعنى إدارتها بينهم تعاطيهم إياها يدًا بيد. والمعنى إلا أن تتبايعوا بيعًا ناجزًا يدًا بيد. ومن قرأ: {تجارة} بالرفع فعلى كان التامة أو الناقصة والخبر {تديرونها} ومن قرأ بالنصب فالتقدير إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة كبيت الكتاب.
بني أسد هل تعلمون بلاءنا ** إذا كان يومًا ذا كواكب أشنعا

أي إذا كان اليوم يومًا. واليوم الأشنع هو الذي ارتفع شره وعلا. وذو كواكب أي شديد. ويقال في التهديد: لأرينك الكواكب ظهرًا. وقال الزجاج: تقديره إلا أن تكون المداينة تجارة أي يكون دينًا قريب الأجل. {فليس عليكم جناح ألا تكتبوها} ومعنى رفع الجناح عدم الضرر لا عدم الإثم إلا لزم أن تكون الكتابة المذكورة أولًا واجبة، وقد أثبتنا خلاف ذلك. وإنما رخص تعالى في هذا النوع من التجارة لكثرة جريانها فيما بين الناس. فتكليفهم الكتابة والإشهاد في كل لحظة حرج عليهم مع أن خوف التجاحد في مثله قليل. {وأشهدوا إذا تبايعتم} هذا التبايع كأنه لما رفع عنهم الكتابة في التجارة الحاضرة، كرر الأمر بالإشهاد ليعلم أن حكمه باق فيها لأن الإشهاد بلا كتابة تخف مؤنته. ويحتمل أن يكون أمرًا بالإشهاد مطلقًا ناجزًا كان التبايع أو كالئًا لأنه أحوط.
عن الحسن: إن شاء أشهد وإن شاء لم يشهد. وعن الضحاك: هي عزيمة من الله ولو على باقة بقل. {ولا يضار كاتب ولا شهيد} يحتمل أن يكون مبنيًا للفاعل فيكون أصله لا يضارر بكسر الراء وبه قرأ عمر وعليه أكثر المفسرين والحسن وطاوس وقتادة ومعناه: نهى الكاتب أن يزيد أو ينقص والشاهدين أن يحرفا أو يتركا الإجابة إلى ما يطلب منهما ولهذا قال: {وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم} فإن التحريف في الكتابة والشهادة فسق وإثم. وعن ابن مسعود وعطاء ومجاهد أن التقدير لا يضارر بفتح الراء وبه قرأ ابن عباس، وأنه نهي للمتداينين عن الضرار بالكاتب والشهيد كأن يعجلا عن مهم ويلزا، أولا يعطى الكاتب حقه من الجعل، أو يحمل الشهيد مؤنة مجيئة من بلد. {وإن تفعلوا} ما نهيتكم عنه من الضرار أو كل ما نهيتكم عنه من فعل معصية أو ترك طاعة ليكون عامًا {فإنه} فإن الضرار أو ارتكاب المنهي {فسوق بكم} خروج عن أمر الله وطاعته. ومعنى {بكم} أي ملتصق بكم. {واتقوا الله} في أوامره ونواهيه {ويعلمكم الله} ما فيه صلاح الدارين {والله بكل شيء} من مصالح عباد {عليم}.
واعلم أنه سبحانه جعل البياعات في هذا المقام على ثلاثة أقسام: بيع بكتاب وشهود، وبيع برهان مقبوضة، وبيع بالأمانة. ولما بين القسم الأول شرع في الثاني وقال: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا فرهان مقبوضة} واتفق الفقهاء على أن الارتهان لا يختص بالسفر ولا بحالة عدم وجدان الكاتب، كيف وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه في غير سفر، ولكنه وردت الآية على الغالب، فإن الغالب أن لا يوجد الكاتب في السفر ولا يوجد أدوات الكتابة ولهذا قال ابن عباس: أرأيت إن وجدت الكاتب ولم تجد الصحيفة والدواة وقرأ: {ولم تجدوا كاتبًا} ونظيره قوله: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم} [النساء: 101] وليس الخوف من شرط جواز القصر. وكان مجاهد والضحاك يذهبان إلى أن الرهن لا يجوز في غير السفر أخذًا بظاهر الآية، ولا يعمل بقولهما اليوم. وأصل الرهن من الدوام. رهن الشيء إذا دام وثبت. ونعمة راهنة أي دائمة ثابة والرهن مصدر جعل اسمًا وزال عنه عمل الفعل. فإذا قلت رهنت عنده رهنًا لم يكن انتصابه انتصاب المصدر ولكن انتصاب المفعول به كما تقول: رهنت ثوبًا. ولهذا جمع الأسماء. وله جمعان: رهن بضمتين كسقف في سقف، ورهان مثل كباش في كبش. وقيل: إن أحدهما جمع الآخر. وفي الكلام حذف تقديره فرهن مقبوضة بدل من الشاهدين، أو فعليه رهن، أو فالوثيقة، أو الذي يستوثق به رهن. ويعلم من قوله: {مقبوضة} أن الرهن لابد في لزومه من القبض، والمراد باللزوم أن لا يكون للراهن الرجوع عن الرهن ولا للمرتهن عن الارتهان.
وقبض المرهون المشاع إنما يحصل بقبض الكل وقبل القبض يصح الرهن ولكن لا يلزم. وأما صورة القبض فقبض العقار إنما يحصل بتخلية الراهن أو وكيله بينه وبين المرتهن أو وكيله وتمكينه منه بتسليم المفتاح فيما له مفتاح. وقبض المنقول يحصل بالنقل من موضعه إلى موضع لا يختص بالراهن كالشارع والمسجد وملك المرتهن، وإن كان المنقول مقدرًا فلابد من التقدير أيضًا بوزن أو كيل أو ذرع. ولو نقل من بيت من دار الراهن إلى بيت آخر بإذنه، أو وضعه الراهن بين يدي المرتهن إذا امتنع من قبضه، حصل القبض. ثم إنه تعالى ذكر بيع الأمانة فقال: {فإن أمن بعضكم بعضًا} فإن أمن بعض الدائنين بعض المديونين لحسن ظنه به وثقته بأنه لا يجحد الحق ولا ينكره {فليؤد الذي اؤتمن أمانته} فليكن المديون عند ظن الدائن به. وسمى الدين أمانة وإن كان مضمونًا لائتمانه عليه بترك الارتهان منه والحاصل أنه مجاز مستعار. وذلك أنه لما اشترك هذا الدين مع الأمانة الشرعية في وصف وجود الأمانة اللغوية أطلق أحدهما على الآخر. والائتمان افتعال من الأمن {وليتق الله ربه} حتى لا يدور في خلده جحود واختيان. وفي الآية قول آخر وهو أنها خطاب للمرتهن بأن يؤدي الرهن عند استيفاء المال فإنها أمانة في يده. والصحيح هو الأول. ومن الناس من قال: هذه الآية ناسخة للآيات المتقدمة الدالة على وجوب الكتبة والإشهاد وأخذ الرهن. والحق أن تلك الأوامر محمولة على الإرشاد رعاية وجوه الاحتياط، وهذه الآية محمولة على الرخصة. وعن ابن عباس أنه قال: في آية المداينة نسخ. ثم قال: {لا تكتموا الشهادة} وفيه وجوه:
الأول عن القفال: أنه تعالى لما أباح ترك الكتبة والإشهاد والرهن عند اعتقاد كون المديون أمينًا، ثم كان من الجائز أن يكون هذا الظن خطأ وأن يخرج المديون جاحدًا للحق، وكان من الممكن أن يكون بعض الناس مطلعًا على أحوالهم، ندب الله ذلك الإنسان أن يشهد لصاحب الحق بحقه، سواء عرف صاحب الحق تلك الشهادة أم لا، وشدد فيه بأن جعله إثم القلب لو تركه. وعلى هذا يمكن أن يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: «خير الشهود من شهد قبل أن يستشهد» وقيل: المراد من كتمان الشهادة أن ينكر العلم بتلك الواقعة. وقيل: المراد بالكتمان الامتناع من أدائها عند الحاجة إلى إقامتها، فإن في ذلك إبطال حق المسلم، وحرمه مال المسلم كحرمة دمه، فلهذا بالغ في الوعيد وقال: {ومن يكتمها فإنه اثم قلبه} والآثم الفاجر، والآثم مرتفع بأن و{قلبه} فاعله. ويجوز أن يكون {قلبه} مبتدأ و{آثم} خبره مقدمًا عليه، والجملة خبر إن.
وفائدة ذكر القلب والشخص بجملته آثم لا قلبه وحده، هو أن أفعال الجوارح تابعة لأفعال القلوب ومتولدة مما يحدث في القلب من الدواعي والصوارف، وإسناد الفعل إلى القلب الذي هو محل الاقتراف ومعدن الاكتساب أبلغ كما يقال عند التوكيد: هذا مما أبصرته عيني وسمعته أذني وعرفه قلبي، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن في جسد ابن آدم لمضغة إذا صلحت صلح بها سائر الجسد وإذا فسدت فسد بها سائر الجسد ألا وهي القلب» وزعم كثير من المتكلمين أن الفاعل والعارف والمأمور والمنهي هو القلب، {والله بما تعملون عليم} فيه تحذير للكاتم وتهديد له. عن ابن عباس: أكبر الكبائر الإشراك بالله لقوله تعالى: {فقد حرم الله عليه الجنة} وشهادة الزور وكتمان الشهادة. اهـ.